إن حسن طاعة الطفل لوالديه حلم كثير من الآباء والأمهات، فمعظم شكواهم تدور حول عدم طاعة أطفالهم لهم.. ومن هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو:
ماذا يصنع الآباء والأمهات عندما يتمرد أطفالهم ويعلنون العصيان ويرفضون الطاعة؟
الواقع الذي نشهده يقول: أن هناك فئة كبيرة من الآباء والأمهات يقابلون هذا السلوك الطفولي بالإهانة والتقريع وتوجيه السباب والشتائم،بل ربما وصل الأمر إلى حدّ الدعاء على الطفل بمكروه، ظناً منهم أن هذا هو أفضل علاج لهذا التمرد والعصيان، لكن النتيجة المعروفة سلفاً هي: الفشل التام، وذلك يرجع إلى أنهم سلكوا في سبيل العلاج طرقا قد نهى عنها الشرع ، منها الفحش في القول ، والبذاءة في الألفاظ ، إضافة إلى الدعاء على الطفل، الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم " وهناك فئة ثانية من الآباء والأمهات يقابلون الرفض وعدم الطاعة باللامبالاة، وكأن شيئاً لم يكن، لسان حالهم يقول لأطفالهم : ( لا تطيعونا وسيروا على هواكم) وهذه الفئة تندم يوم لا ينفع الندم، وذلك عندما يشتمهم أطفالهم أو يتطاولون عليهم .
أما الفئة الراشدة .. فهي التي سارت على طريق النبوة، فاتخذت من حياة النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة في معالجة هذا السلوك، فظفرت براحة البال وحسن طاعة العيال فلقد عالج النبي صلى الله عليه وسلم الرفض وعدم طاعة الطفل للأوامر بأسلوب تربوي فريد، فهذا أنس بن مالك –رضي الله عنه- عندما كان غلاماً،رفض أن يذهب حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم ، بل وخرج حتى يمر على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فلم يكن من رسول الله إلا أن تابعه، فمشى خلفه وقبض بقفاه من ورائه، ثم قال له وهو يبتسم:" اذهب يا أُنيس حيث أمرتك"، وهنا قال أنس-رضي الله عنه - نعم أنا ذاهب يا رسول الله.
وموقف آخر يرويه الطبراني عن عبد الله بن بسره- رضي الله عنه - قال :" بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب، فأكلته، فقالت أمي لرسول الله:هل أتاك عبد الله بقطف؟ قال: لا، فجعل رسول الله إذا رآني قال: غدر غدر "... فهذا الغلام لم يطع والدته، فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التنبيه للصبي في شكل عتاب رقيق، هو أشبه بالملاعبة منه من المعاتبة، وتكرار ذلك من رسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التذكير والتفهيم،حتى يدرك الصغير أنه ارتكب خطأ ، فيتنبه ويرجع .
وحرى بالآباء والأمهات أن يطيلوا التأمل في هاتين الحادثتين-وما شابههما- لكي يقفوا على القواعد التربوية الصحيحة في التعامل مع سلوك الرفض وعدم الطاعة، فنحن لو قللنا نسبة عدم الطاعة حتى تؤول إلى الصفر، قد نجعله مطيعا لأي شخص(حتى الأعداء) ومنفذاً لجميع الأوامر الصادرة إليه(حتى ممن هم في مثل سنه) لذلك فإنه لا يجب أن نتمادى في إرغام الطفل على الطاعة باستمرار، فقليل من عدم الطاعة يمكن أن يحدث ، ولكن لابد أن يحتفظ الآباء بحقهم في طاعة الطفل لهم- في غير معصية- إن احتاجوا ذلك.
ولكن ما هي أسباب العصيان وعدم الطاعة عند الأطفال؟
يخبرنا علماء التربية المتخصصون بأن ذلك يرجع إلى ثلاثة أسباب:
السبب الأول: إذا كان الطفل يحب ما يفعل ومنهمكاً فى الاستمتاع به، ففي هذه اللحظة سوف يرفض أن يقاطعه أحد ( مثال: عندما تنادى عليه : هيا إلى الغذاء وهو مستغرق في اللعب مع أصدقائه) .
السبب الثاني: ربما كان الطفل لا يحب ما يطلب منه أن يفعله، كالذهاب إلى طبيب أو أخذ الدواء أو السباحة او النوم.
السبب الثالث : قد يفتقد الطفل الشعور بالاهتمام من والديه فيريد أن يلفت إليه أنظارهما بأي وسيلة حتى ولو كانت من خلال العقوبة أو إثارة غضبهما عن طريق المخالفة وعصيان الأوامر .
والآن .. كيف السبيل إلى العلاج؟
هناك دعوة نبوية شريفة إلى علاج هذا السلوك علاجاً جذريا،حيث روى الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعينوا أولادكم على البر، من شاء استخرج العقوق من ولده "
فطريق العلاج يبدأ بتجنب أسباب عدم الطاعة وتلاشيها، فالسبب الأخير يعالج بالاهتمام الحقيقي- غير المصطنع- بالأطفال، وهذا ما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم بمصاحبته لهم ومجالستهم وملاعبتهم، ورعاية جميع شئونهم.
أما السبب الثاني فإنه يعالج بشرح فائدة الأفعال المطلوبة وأهميتها للطفل، ومحاولة إقناعه بها قبل تكليفهم بأدائها، بل ومساعدتهم على أدائها بنجاح عن طريق التدرج والتشجيع والإرشاد .
وأما السبب الأول فيعالج بأن نتحول من لهجة الأمر إلى لغة السؤال، فبدلا من أن نقول له " اذهب إلى المنضدة لتأكل" نقول له:" هل تود أن تأكل الآن؟" وهنا ندع فرصة للطفل أن يقول نعم أو لا، فيكون هو صاحب الرأي وليس مفروضا عليه، بل إنه يستحسن تقديم اختيارات للطفل ليختار منها فنقول له: هل تريد أن تأكل الآن أم بعد خمس دقائق؟ فإذا قال: بعد خمس دقائق، نقول له: حسنا لك ذلك، فإذا لم يستجب بعد خمس دقائق نعطيه إنذاراً واحداً فقط( إذا لم تذهب إلى الطعام الآن ستحرم من حدوتة قبل النوم، فإذا لم يتراجع فيتم حمله بكل رفق ومداعبة ولين ولكن مع ضرورة حرمانه من حدوتة قبل النوم!
فلننتبه جميعاً إلى هذه الأسباب وطرق علاجها فقد نكون نحن السبب فى عصيان أطفالنا للأوامر ونحن لا ندرى.